أسوأ ما يواجه الإنسان في حياته أن يمرض، ثم لا يجد الإمكانات المادية التي تساعده علي تلقي العلاج المناسب.. الأغنياء لاتقلقهم المسألة، فالعلاج سهل وميسر ومتاح سواء في الداخل أو في الخارج.. المشكلة في الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة الذين تنقلب حياتهم رأسا علي عقب عند تعرض أحد أفراد الاسرة لمرض يحتاج إلي علاج طويل أو تدخل جراحي عاجل، نظراً لتكلفة العلاج المغالي في قيمتها سواء من ناحية الإقامة بالمستشفيات أو من ناحية تكلفة الطبيب المعالج، ناهيك عن التحاليل والأشعات وخلافه!
وتنفيذا للاتفاق المعقود بيني وبين قاريء »ورزقي علي الله« بضرورة إلقاء الضوء بين الحين والآخر علي واحد من النماذج الإيجابية الموجودة بكثرة في المجتمع، فسوف أقدم هذا الأسبوع شخصية طبية متميزة لا أعرفها ولا تعرفني، علمت بقصته من أحد أقاربي الذي وجدته في حالة اضطراب وهو يستعد لإجراء عملية جراحية لإبنته في الركبة بعد أن قال له الطبيب المعالج المقيم في القاهرة أن تكلفتها ٥٢ ألف جنيه.
في حوار لقريبي مع أحد أصدقائه أشار عليه بأن يذهب إلي الإسكندرية لعرض الحالة علي الدكتور أكرم الداوودي المتخصص في حالة ابنته، وقال لقريبي أن الأمر سيكون مختلفا تماما مع الطبيب السكندري علي الرغم من كونه ثاني اثنين متخصصين في هذا النوع من العمليات علي مستوي مصر.
سافر قريبي إلي الإسكندرية وهو غير متفائل كثيرا ظنا منه أن الفارق في تكلفة العملية لن يقل عن تكلفتها في القاهرة إلا بنسبة بسيطة ولن ينوبه إلا تعب السفر.. عرض حالة الإبنة علي الطبيب السكندري الدكتور أكرم الداوودي الذي شخص الحالة ثم حدد موعد العملية .. ألح قريبي في السؤال عن تكلفة العملية فطمأنه الطبيب إلي أن المسألة ستكون ميسرة بإذن الله.
في الوقت المحدد ذهب الأب إلي حيث عيادة الطبيب التي هي أشبه بمستشفي صغير .. اهتم الطاقم المساعد بتجهيز الإبنة للعملية.. دخل الطبيب إلي غرفة العمليات في الوقت الذي سيطرت مشاعر القلق والخوف علي قلب الأب والأم.. مساعد الطبيب يستدعي الوالدين لإبلاغهما أن العملية تمت بحمد الله علي خير وجه.. مساء نفس اليوم زار الطبيب الإبنه وداعبها وأجري لها مجموعة من الاختبارات للإطمئنان علي نتيجة العملية.. شكر الأب الطبيب وسأله عن التكلفة.. ابتسم وقال له: عند المحاسب ستعرف التفاصيل.
لم يصدق الأب عينيه وهو يقرأ الفاتورة.. تكلفة العملية ألفان فقط من الجنيهات هي أجرة يد الطبيب ثم ألفان أخري للإقامة في المستشفي ولطبيب التخدير والأدوية التي استخدمت.. شكر الأب ربه علي نجاح العملية وعلي التكلفة التي أصابها هذا الهبوط من ٥٢ ألفا إلي ٤ آلاف فقط.. من فرحته حاول الوالدان إعطاء »بقشيش« لطاقم الممرضين فرفضوا بشدة، وقالوا أن المستشفي يعطيهم أكثر من حقهم وأنه ممنوع عليهم أن يقبلوا أي عطايا..
هذا النموذج المحترم يؤكد أن مصر ستظل بخير مادام هناك أمثال الدكتور أكرم الداوودي وطاقم الأطباء والتمريض الذين يعملون معه في إطار منظومة مازالت تعتبر الطب رسالة سامية وليس بابا واسعا للثراء السريع.
ملحوظة: أؤكد من جديد أن العملية تكلفت ٤ آلاف جنيه فقط بينما طلب طبيب القاهرة – الذي هو بنفس شهرة طبيب الاسكندرية -٥٢ ألفاً يحصل منها علي ٥١ ألفا أجرة يده.. بالذمة ده مش حرام ومتاجرة بصحة الناس ومعاناتهم؟!